-
في العصور القديمة
يمكن
القول بصورة عامة أن الأرشيفات كانت موجودة و معروفة في حضارات الشرق القديم ، و
كذلك عند الإغريق و الرومان ، فمن المعروف تاريخيا أن بلاد ما بين النهرين كانت
الموطن الأول للكتابة و التدوين ، فقد اخترع العراقيون القدماء الكتابة الصورية ،
و من العراق أخذت الكلمة المطبوعة طريقها إلى الشيوع و الاستعمال في بقية أرجاء
الرق القديم .
وان
الأرشيفات كانت معروفة عند قدما العراقيين كالسومريين و الأكاديين و البابليين و
الأشوريين و الكلدانيين ، و كذلك عند المصريين القدماء و الفرس و الأمم الأخرى و
ما خلفوه لنا من كتابه على الطين و ألواح حجرية و مدونات أخرى يمكن اعتبارها مواد
ذات طبيعة أرشيفية.
و كانت المواد الأرشيفية و
كذلك المواد المكتبية غالبا ما تحفظ في مكان واحد ، سواء أكان ذلك في المعابد أم
قصور الملوك أم غيرها ،و في الأزمنة القديمة لم تميز الحضارات الأولى ما بين الكتب
و الوثائق ، وبعبارة أخرى لم يفرقوا ما بين المصادر و بين أنماط و أساليب التوثيق documentation .
-
في العهد الإغريقي
ليس
هناك دليل على وجود أرشيفات عند الإغريق القدماء ، فالكلمة الإغريقية Biblioteke التي تقابلها اللفظة
اللاتينية Biblioteca كانت عبارة عن مستودعات لحفظ الممتلكات و المواد التي نسميها بـ (
المواد الأرشيفية ) .
إن
الأرشيفات المنظمة الوحيدة التي كانت تحفظ فيها أصول القوانين ، و كان أسسها
القائد Ephiltes في حدود 460 ق . م و لم يمض قرن على ذلك حتى تم توحيد جميع مخازن
السجلات الأثينية و حصرها في مكان واحد في المعبد المخصص لعبادة أم الآلهة المعروف
بالميترون Metroon .
و من الخطأ الافتراض أن
المعابد أو الأماكن العامة التي كانت مخصصة لإيداع مثل هذه القضايا تعتبر من
الأرشيفات .
-
في العهد الروماني
كان
الأرشيف الرئيسي قد أسسه السياسي الروماني الشهير فاليريوس بوبليوكولا و ذلك في
حدود عام 509 ق . م و كان موضعها في ايراريوم أو الخزانة داخل معبد الإله ( زحل )
و هو إله الزراعة عند الرومان وفي هذا
الموضع كانت تحفظ القوانين و المراسيم و أنظمة مجلس الشيوخ و مستندات المقاطعات ،
أما الوثائق الدولية – أي التي لها صلة بالدول الأجنبية ـ فكانت تحفظ في مبنى (
الكابيتول ) .
كان
هناك عدد من الأرشيفات في روما ، حتى في عهد الجمهورية و تحت إدارة مختلف الموظفين
و مسؤولياتهم .
أما
في عهد الإمبراطورية فقد تم إنشاء دار تعرف بـ ( دار الوثائق القيصرية ) أو أرشيف
الإمبراطور الذي كانت تودع فيه ليس جميع الأوراق الشخصية العائدة للممتلكات
الإمبراطورية فحسب ، بل و كافة المستندات الرسمية ، و قد بقيت هذه الأرشيفات قائمة
حتى وقت متأخر من عهود الإمبراطورية ، بالإضافة إلى الأرشيفات البلدية التي كانت
تودع فيها القوانين و الأنظمة الخاصة بالمجالس البلدية و كذلك القيود و السجلات
المالية و شهادات الولادات و قضايا التبني و الممتلكات ..
و
لم تلبث العناية بالأرشيفات أن قلت في أواخر عهد الإمبراطورية حيث بلغت حالها من
العناية و الحفظ درجة سيئة .
و لقد حاول الإمبراطور
مكسيمليان الأول ( 1493 – 1519 ) تأسيس أرشيف مركزي للإمبراطورية الرومانية
المقدسة ، فلم يحقق نجاحا في هذا المضمار.
-
في العصور الوسطى
شهدت
هذه العصور تعدد السلطات و تنوع الامتيازات و ساد الإقطاع ، فكان لكل ناحية ذات
سلطان أرشيفها الخاص بها الذي يشير إلى ما تملكه من حقوق و امتيازات ، و كان هذا
النوع من الأرشيف منفصلا عن الأرشيف الذي كان للملك نفسه ، و لعل أهم ما ورثته
أوربا من ذلك عبر العصور الوسطى هي الوثائق الكنسية ، لان الكنائس في تلك العصور
كانت بعيدة عن تقلبات الحروب و بمأمن من السلب و النهب .
و
يمكن القول أنه كان لملوك أوربا نوعان من الأرشيفات :
الأرشيف
الثابت : كما هو الحال في الدولة البيزنطية حيث كانت الأحوال تتميز بنوع
من الاستقرار
الأرشيف المتنقل : كما كان الحال في أنحاء
الإمبراطورية الغربية حيث كان بلاط الحكام يتنقل من مكان لآخر مما جعل التنظيم
أمرا مستحيلا .
-
الأرشيفات الحديثة (
فرنسا ألمانيا انكلترا اسبانيا .. )
نستعرض
فيه التطورات الأرشيفية في عدد من الأقطار الأوربية ذات الماضي العريق .
ففي ألمانيا
حذت أغلب المدن الألمانية حذو الكنائس في تنظيماتها الأرشيفية و إن كانت لم تتبع
الأساليب القديمة نفسها و أهم الأرشيفات الحكومية في ألمانيا أرشيف الريخ و فروعه
و أرشيف الولايات و توجد أنواع أخرى من دور الوثائق تتمتع باستقلالها مثل أرشيفات
الهيئات الدينية و العلمية .
أما في فرنسا فقد كانت الوثائق قبل الثورة الفرنسية بيد سلطات متعددة لكل
قضاؤه و امتيازاته و قد بلغ عدد مراكز هذه الوثائق ما يزيد على 10 آلاف مركز .
و قد
كان نابليون بونابرت طموحا في لم شعث الوثائق الفرنسية و أن يجعل من الأرشيف
الوطني الفرنسي أرشيفا لأوربا عامة لذلك ضم وثائق من اسبانيا و بلجيكا و ألمانيا و
الفاتيكان . فالثورة الفرنسية التي قضت على الإقطاع في فرنسا قامت بحرق الوثائق
الإقطاعية ثم عملت على توحيد الأرشيفات التي بلغت في باريس وحدها عام 1770 ما يقرب
من 405 مركز ، و أسست الأرشيف الوطني و بذلك لم تصبح دور الوثائق مستودعا للحجج
القضائية فحسب ، كما كانت من قبل ، بل أصبحت أيضا مركزا للدراسات التاريخية و
مرجعا للبحوث العلمية .
في انكلترا يجد الباحث في تاريخ الوثائق و الأرشيف دلالات و إشارات إلى
وجود أرشيف ملكي في انكلترا من القرن التاسع للميلاد و يحتمل في حالة وجود مثل هذا
الأرشيف ، أنه كان يؤلف جزءا من خزانة الوثائق الملكية ، و لا يوجد له مكان خاص .
كانت
الوثائق في انكلترا موزعة هنا و هناك ، شأنها في ذلك شأن الوثائق في الدول
الأوربية الأخرى ، و بحلول عام 1838 صدر قانون ( جار الوثائق العامة ) الذي تم
بموجبه تجميع كافة المجموعات الأرشيفية المتفرقة و وضعها تحت إشراف كبير القضاة و
يمكن اعتبار انكلترا النموذج البارز في نظام الحفظ المركزي و بالإضافة على ذلك
كانت هناك ممارسات إدارية بالطريقة المألوفة في الأنظمة و الإدارة اللامركزية
للأرشيف و ذلك بالنسبة للمناطق المحلية أو الأقاليم التي كانت في الحقيقة المنشأ
لتلك الأرشيفات .
وضع
الحجر الأساسي لدار الوثائق العامة في بريطانيا في 1851 و في عام 1888 تأسست في
بريطانيا ( جمعية الوثائق البريطانية التي كان لها الأثر الكبير في إنشاء و تأسيس
دور الوثائق و العناية بها .
و
استنادا إلى الأمر الصادر عام 1845 أصبحت السلطة السياسية أكثر اتساعا فنتج عن ذلك
أن دار الوثائق العامة في الوقت الحاضر تتألف من قسمين رئيسيين هما :
-
الأرشيف القضائي و وثائق الدولة .
-
الأرشيف الذي يضم وثائق و أوراق الوزارات و المؤسسات المماثلة ،
التي تؤمن الاحتياجات الإدارية ( أي الوثائق التي يرجع إليها بين الحين و الآخر)
و قد تعاظم الاهتمام بالأرشيفات و الوثائق بعد الحرب العالمية الثانية
حيث بذلت العناية الكبرى في إيجاد الوسائل الفعالة في الحفاظ على الوثائق و
إيداعها في أماكن أمينة تقيها من الطوارئ و الأخطار المحتملة بتخصيص البنايات
الضخمة الحديثة و المستودعات الوسطى لحفظ الوثائق حفظا مؤقتا قبل فرزها و تصنيفها
و دراستها و اختيار ما يستوجب الحفظ الدائم .
ففي
العام 1945 صدر السجل الوطني للأرشيف حيث تقوم لجنة خاصة بالإشراف عليه و تنظيمه و
ترتيبه ترتيبا إقليميا . و يحتوي هذا السجل على معلومات كاملة عن مراكز حفظ
الوثائق و مجموعاتها و تعيين أماكن
حفظها ، ثم امتد نطاق العمل ليشمل المجموعات الأرشيفية في انكلترا ، عدا الوثائق
المحفوظة في الدوائر المركزية التابعة للحكومة ، كذلك مجموعات المخطوطات التاريخية
التي بدأت دراستها في القرن التاسع عشر . ( 1 )
أما اسبانيا فقد عرفت و منذ زمن قديم بعنايتها الكبيرة بالوثائق و رعايتها
البالغة للأرشيفات التاريخية . و منذ البداية عملت على فصل الأرشيف الإداري عن
الأرشيف التاريخي ، نظرا لكونها من اسبق الدول الأوربية و أعرقها في تأسيس
إمبراطورية كبيرة . و أرشيفاتها تضم وثائق تاريخية ذات أهمية بالغة تتعلق بالعديد
من الدول الأوربية و الممالك الإسلامية ، فهي تمتلك وثائق عن الاستكشافات
الجغرافية و الحركات الدينية و عن نشاط الكنيسة الكاثوليكية و عن الحضارة
الأندلسية و هذه كلها مودعة في أرشيفاتها المتنوعة التي يمكن تقسيمها إلى :
-
الأرشيفات الحكومية
-
أرشيفات الأقاليم
-
أرشيفات الوحدات الإدارية الأخرى
إن أقدم
دار للوثائق في اسبانيا هي دار وثائق سمنكاس Simancas التي أنشئت في جزء من
حصن قديم عام 1542 من قبل الملك شارل الخامس و كان هذا الأرشيف تابعا لإمارة
قشتالة
و في العام 1858 صدر مرسوم لتأسيس دور الوثاق الأخرى المنتشرة في المدن و أقاليم الاسبانية و كانت المدرسة العليا للوثائق قد أسست قبل ذلك في العام 1856 لتدريس العلوم الوثائقية و النظم الإدارية . و الملاحظ أن الأرشيفات الإسبانية ذات أهمية بالغة بالنسبة للأقطار العربية فهي تضم العديد من الوثائق و المراسلات مع الدولة العثمانية و الأقطار الواقعة على حوض البحر الأبيض المتوسط و البلدان الإفريقية .
-
دور الوثائق العربية (
مصر ، الجزائر .. )
تعتبر غالبية الأقطار العربية ، قياسا إلى الدول المتحضرة ، متخلفة في ميدان
التنظيمات الوثائقية و الإدارات الأرشيفية ، و الدول التي أسست فيها دور للوثائق
لا تتجاوز أصابع اليد ، ناهيك عن ضعف الإدارات و التنظيم ، و في مقدمة الأسباب هو
قلة الوعي الوثائقي و النظر إلى الوثائق نظرة ثانوية غير مكترثة ، و يمكن القول
أنه بفضل النشاطات و الاتصالات التي يقوم بها الفرع الإقليمي العربي للمجلس الدولي
للوثائق منذ عام 1972 ظهرت في الأفق بوادر مشجعة و ارتفع مستوى الدراسات التاريخية
في المعاهد و الجامعات التي تعنى بالوثائق و مصادر التاريخ القومي و كافة المصادر
المتصلة المودعة بدور الوثائق القومية و المراكز الإقليمية .
- مصر
تعتبر مصر من أقدم الأقطار العربية في تأسيس دار خاصة بالوثائق و إدارتها ، ففي
زمن محمد علي الكبير أسست الدفتر خانة المصرية ( دار المحفوظات بالقلعة ) و كان
ذلك عام 1829 ثم وضعت لها لائحة قرر المجلس الملكي عام 1830 الموافقة عليها
ثم و ضعت لها لائحة مفصلة عام 1846 .
و بعد
ثورة 1952 صدر القانون الخاص بإنشاء دار الوثائق التاريخية القومية و تقع بجوار
المتحف الحربي بالقلعة بالقاهرة و تعتبر من أقدم و أوسع دور الوثائق في الوطن
العربي ، و تضم وثائق بمختلف اللغات .
و قد
وضعت اللوائح و الأنظمة الخاصة بكيفية الاطلاع على هذه الوثائق و الحصول على صورها
من قبل المراجعين و الباحثين ، و توجد المئات من الكشافات و الفهارس و الأدلة
المساعدة للوقوف على مضامين هذه المجموعات الضخمة من الوثائق .
و قد
ألحق بالدار معرض كبير يضم نماذج من الوثائق لمختلف الأزمنة .
- الجزائر
كانت الجزائر ولاية من الولايات التابع للدولة العثمانية وفي العام 1830 و
بعد احتلالها من طرف فرنسا التي اعتبرتها جزء من الإمبراطورية الفرنسية . و بعد
ثورة الشعب الجزائري و حصوله على الاستقلال التفت إلى تنظيم شؤونه الداخلية
و ترسيخ دعائم الاستقلال و من بين الأمور التي أولتها الدولة اهتمامها هي مسالة
الحفاظ على الوثائق الوطنية . و كان الاستعمار الفرنسي قد سارع إلى نقل الكثير من
الوثائق الخاصة بالجزائر إلى فرنسا .
و صدر
الأمر المرقم 17 – 36 في جوان 1971 الذي تم بموجبه تأسيس مؤسسة الوثائق الوطنية و
هو يشكل أول تدبير مخصص لصيانة التراث الإداري التاريخي و الثقافي المتمثل في
الوثائق الواردة من مجموع مؤسسات البلاد.
و بموجب هذا الأمر ألحقت هذه
المؤسسة برئاسة الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية .
بقلم : د/ حسام ضرار
المصادر :
سالم عبود الألوسي ، محمد محجوب كامل،الأرشيف تاريخه أصنافه إدارته ،
الطبعة الأولى، 1979:دار الحرية للطباعة - بغداد
- في العصور القديمة
يمكن القول بصورة عامة أن الأرشيفات كانت موجودة و معروفة في حضارات الشرق القديم ، و كذلك عند الإغريق و الرومان ، فمن المعروف تاريخيا أن بلاد ما بين النهرين كانت الموطن الأول للكتابة و التدوين ، فقد اخترع العراقيون القدماء الكتابة الصورية ، و من العراق أخذت الكلمة المطبوعة طريقها إلى الشيوع و الاستعمال في بقية أرجاء الرق القديم .
وان
الأرشيفات كانت معروفة عند قدما العراقيين كالسومريين و الأكاديين و البابليين و
الأشوريين و الكلدانيين ، و كذلك عند المصريين القدماء و الفرس و الأمم الأخرى و
ما خلفوه لنا من كتابه على الطين و ألواح حجرية و مدونات أخرى يمكن اعتبارها مواد
ذات طبيعة أرشيفية.
-
في العهد الإغريقي
ليس هناك دليل على وجود أرشيفات عند الإغريق القدماء ، فالكلمة الإغريقية Biblioteke التي تقابلها اللفظة اللاتينية Biblioteca كانت عبارة عن مستودعات لحفظ الممتلكات و المواد التي نسميها بـ ( المواد الأرشيفية ) .
إن
الأرشيفات المنظمة الوحيدة التي كانت تحفظ فيها أصول القوانين ، و كان أسسها
القائد Ephiltes في حدود 460 ق . م و لم يمض قرن على ذلك حتى تم توحيد جميع مخازن
السجلات الأثينية و حصرها في مكان واحد في المعبد المخصص لعبادة أم الآلهة المعروف
بالميترون Metroon .
-
في العهد الروماني
كان
الأرشيف الرئيسي قد أسسه السياسي الروماني الشهير فاليريوس بوبليوكولا و ذلك في
حدود عام 509 ق . م و كان موضعها في ايراريوم أو الخزانة داخل معبد الإله ( زحل )
و هو إله الزراعة عند الرومان وفي هذا
الموضع كانت تحفظ القوانين و المراسيم و أنظمة مجلس الشيوخ و مستندات المقاطعات ،
أما الوثائق الدولية – أي التي لها صلة بالدول الأجنبية ـ فكانت تحفظ في مبنى (
الكابيتول ) .
كان
هناك عدد من الأرشيفات في روما ، حتى في عهد الجمهورية و تحت إدارة مختلف الموظفين
و مسؤولياتهم .
أما
في عهد الإمبراطورية فقد تم إنشاء دار تعرف بـ ( دار الوثائق القيصرية ) أو أرشيف
الإمبراطور الذي كانت تودع فيه ليس جميع الأوراق الشخصية العائدة للممتلكات
الإمبراطورية فحسب ، بل و كافة المستندات الرسمية ، و قد بقيت هذه الأرشيفات قائمة
حتى وقت متأخر من عهود الإمبراطورية ، بالإضافة إلى الأرشيفات البلدية التي كانت
تودع فيها القوانين و الأنظمة الخاصة بالمجالس البلدية و كذلك القيود و السجلات
المالية و شهادات الولادات و قضايا التبني و الممتلكات ..
و
لم تلبث العناية بالأرشيفات أن قلت في أواخر عهد الإمبراطورية حيث بلغت حالها من
العناية و الحفظ درجة سيئة .
و لقد حاول الإمبراطور مكسيمليان الأول ( 1493 – 1519 ) تأسيس أرشيف مركزي للإمبراطورية الرومانية المقدسة ، فلم يحقق نجاحا في هذا المضمار.
-
في العصور الوسطى
شهدت
هذه العصور تعدد السلطات و تنوع الامتيازات و ساد الإقطاع ، فكان لكل ناحية ذات
سلطان أرشيفها الخاص بها الذي يشير إلى ما تملكه من حقوق و امتيازات ، و كان هذا
النوع من الأرشيف منفصلا عن الأرشيف الذي كان للملك نفسه ، و لعل أهم ما ورثته
أوربا من ذلك عبر العصور الوسطى هي الوثائق الكنسية ، لان الكنائس في تلك العصور
كانت بعيدة عن تقلبات الحروب و بمأمن من السلب و النهب .
و
يمكن القول أنه كان لملوك أوربا نوعان من الأرشيفات :
الأرشيف
الثابت : كما هو الحال في الدولة البيزنطية حيث كانت الأحوال تتميز بنوع
من الاستقرار
الأرشيف المتنقل : كما كان الحال في أنحاء الإمبراطورية الغربية حيث كان بلاط الحكام يتنقل من مكان لآخر مما جعل التنظيم أمرا مستحيلا .
- الأرشيفات الحديثة ( فرنسا ألمانيا انكلترا اسبانيا .. )
نستعرض
فيه التطورات الأرشيفية في عدد من الأقطار الأوربية ذات الماضي العريق .
ففي ألمانيا حذت أغلب المدن الألمانية حذو الكنائس في تنظيماتها الأرشيفية و إن كانت لم تتبع الأساليب القديمة نفسها و أهم الأرشيفات الحكومية في ألمانيا أرشيف الريخ و فروعه و أرشيف الولايات و توجد أنواع أخرى من دور الوثائق تتمتع باستقلالها مثل أرشيفات الهيئات الدينية و العلمية .
أما في فرنسا فقد كانت الوثائق قبل الثورة الفرنسية بيد سلطات متعددة لكل
قضاؤه و امتيازاته و قد بلغ عدد مراكز هذه الوثائق ما يزيد على 10 آلاف مركز .
و قد كان نابليون بونابرت طموحا في لم شعث الوثائق الفرنسية و أن يجعل من الأرشيف الوطني الفرنسي أرشيفا لأوربا عامة لذلك ضم وثائق من اسبانيا و بلجيكا و ألمانيا و الفاتيكان . فالثورة الفرنسية التي قضت على الإقطاع في فرنسا قامت بحرق الوثائق الإقطاعية ثم عملت على توحيد الأرشيفات التي بلغت في باريس وحدها عام 1770 ما يقرب من 405 مركز ، و أسست الأرشيف الوطني و بذلك لم تصبح دور الوثائق مستودعا للحجج القضائية فحسب ، كما كانت من قبل ، بل أصبحت أيضا مركزا للدراسات التاريخية و مرجعا للبحوث العلمية .
في انكلترا يجد الباحث في تاريخ الوثائق و الأرشيف دلالات و إشارات إلى
وجود أرشيف ملكي في انكلترا من القرن التاسع للميلاد و يحتمل في حالة وجود مثل هذا
الأرشيف ، أنه كان يؤلف جزءا من خزانة الوثائق الملكية ، و لا يوجد له مكان خاص .
كانت
الوثائق في انكلترا موزعة هنا و هناك ، شأنها في ذلك شأن الوثائق في الدول
الأوربية الأخرى ، و بحلول عام 1838 صدر قانون ( جار الوثائق العامة ) الذي تم
بموجبه تجميع كافة المجموعات الأرشيفية المتفرقة و وضعها تحت إشراف كبير القضاة و
يمكن اعتبار انكلترا النموذج البارز في نظام الحفظ المركزي و بالإضافة على ذلك
كانت هناك ممارسات إدارية بالطريقة المألوفة في الأنظمة و الإدارة اللامركزية
للأرشيف و ذلك بالنسبة للمناطق المحلية أو الأقاليم التي كانت في الحقيقة المنشأ
لتلك الأرشيفات .
وضع
الحجر الأساسي لدار الوثائق العامة في بريطانيا في 1851 و في عام 1888 تأسست في
بريطانيا ( جمعية الوثائق البريطانية التي كان لها الأثر الكبير في إنشاء و تأسيس
دور الوثائق و العناية بها .
و
استنادا إلى الأمر الصادر عام 1845 أصبحت السلطة السياسية أكثر اتساعا فنتج عن ذلك
أن دار الوثائق العامة في الوقت الحاضر تتألف من قسمين رئيسيين هما :
-
الأرشيف القضائي و وثائق الدولة .
- الأرشيف الذي يضم وثائق و أوراق الوزارات و المؤسسات المماثلة ، التي تؤمن الاحتياجات الإدارية ( أي الوثائق التي يرجع إليها بين الحين و الآخر)
و قد تعاظم الاهتمام بالأرشيفات و الوثائق بعد الحرب العالمية الثانية
حيث بذلت العناية الكبرى في إيجاد الوسائل الفعالة في الحفاظ على الوثائق و
إيداعها في أماكن أمينة تقيها من الطوارئ و الأخطار المحتملة بتخصيص البنايات
الضخمة الحديثة و المستودعات الوسطى لحفظ الوثائق حفظا مؤقتا قبل فرزها و تصنيفها
و دراستها و اختيار ما يستوجب الحفظ الدائم .
ففي
العام 1945 صدر السجل الوطني للأرشيف حيث تقوم لجنة خاصة بالإشراف عليه و تنظيمه و
ترتيبه ترتيبا إقليميا . و يحتوي هذا السجل على معلومات كاملة عن مراكز حفظ
الوثائق و مجموعاتها و تعيين أماكن
حفظها ، ثم امتد نطاق العمل ليشمل المجموعات الأرشيفية في انكلترا ، عدا الوثائق
المحفوظة في الدوائر المركزية التابعة للحكومة ، كذلك مجموعات المخطوطات التاريخية
التي بدأت دراستها في القرن التاسع عشر . ( 1 )
أما اسبانيا فقد عرفت و منذ زمن قديم بعنايتها الكبيرة بالوثائق و رعايتها
البالغة للأرشيفات التاريخية . و منذ البداية عملت على فصل الأرشيف الإداري عن
الأرشيف التاريخي ، نظرا لكونها من اسبق الدول الأوربية و أعرقها في تأسيس
إمبراطورية كبيرة . و أرشيفاتها تضم وثائق تاريخية ذات أهمية بالغة تتعلق بالعديد
من الدول الأوربية و الممالك الإسلامية ، فهي تمتلك وثائق عن الاستكشافات
الجغرافية و الحركات الدينية و عن نشاط الكنيسة الكاثوليكية و عن الحضارة
الأندلسية و هذه كلها مودعة في أرشيفاتها المتنوعة التي يمكن تقسيمها إلى :
-
الأرشيفات الحكومية
-
أرشيفات الأقاليم
-
أرشيفات الوحدات الإدارية الأخرى
إن أقدم
دار للوثائق في اسبانيا هي دار وثائق سمنكاس Simancas التي أنشئت في جزء من
حصن قديم عام 1542 من قبل الملك شارل الخامس و كان هذا الأرشيف تابعا لإمارة
قشتالة
و في العام 1858 صدر مرسوم لتأسيس دور الوثاق الأخرى المنتشرة في المدن و أقاليم الاسبانية و كانت المدرسة العليا للوثائق قد أسست قبل ذلك في العام 1856 لتدريس العلوم الوثائقية و النظم الإدارية .
-
دور الوثائق العربية (
مصر ، الجزائر .. )
تعتبر غالبية الأقطار العربية ، قياسا إلى الدول المتحضرة ، متخلفة في ميدان التنظيمات الوثائقية و الإدارات الأرشيفية ، و الدول التي أسست فيها دور للوثائق لا تتجاوز أصابع اليد ، ناهيك عن ضعف الإدارات و التنظيم ، و في مقدمة الأسباب هو قلة الوعي الوثائقي و النظر إلى الوثائق نظرة ثانوية غير مكترثة ، و يمكن القول أنه بفضل النشاطات و الاتصالات التي يقوم بها الفرع الإقليمي العربي للمجلس الدولي للوثائق منذ عام 1972 ظهرت في الأفق بوادر مشجعة و ارتفع مستوى الدراسات التاريخية في المعاهد و الجامعات التي تعنى بالوثائق و مصادر التاريخ القومي و كافة المصادر المتصلة المودعة بدور الوثائق القومية و المراكز الإقليمية .
- مصر
تعتبر مصر من أقدم الأقطار العربية في تأسيس دار خاصة بالوثائق و إدارتها ، ففي زمن محمد علي الكبير أسست الدفتر خانة المصرية ( دار المحفوظات بالقلعة ) و كان ذلك عام 1829 ثم وضعت لها لائحة قرر المجلس الملكي عام 1830 الموافقة عليها ثم و ضعت لها لائحة مفصلة عام 1846 .
و بعد
ثورة 1952 صدر القانون الخاص بإنشاء دار الوثائق التاريخية القومية و تقع بجوار
المتحف الحربي بالقلعة بالقاهرة و تعتبر من أقدم و أوسع دور الوثائق في الوطن
العربي ، و تضم وثائق بمختلف اللغات .
و قد
وضعت اللوائح و الأنظمة الخاصة بكيفية الاطلاع على هذه الوثائق و الحصول على صورها
من قبل المراجعين و الباحثين ، و توجد المئات من الكشافات و الفهارس و الأدلة
المساعدة للوقوف على مضامين هذه المجموعات الضخمة من الوثائق .
و قد ألحق بالدار معرض كبير يضم نماذج من الوثائق لمختلف الأزمنة .
- الجزائر
كانت الجزائر ولاية من الولايات التابع للدولة العثمانية وفي العام 1830 و
بعد احتلالها من طرف فرنسا التي اعتبرتها جزء من الإمبراطورية الفرنسية . و بعد
ثورة الشعب الجزائري و حصوله على الاستقلال التفت إلى تنظيم شؤونه الداخلية
و ترسيخ دعائم الاستقلال و من بين الأمور التي أولتها الدولة اهتمامها هي مسالة
الحفاظ على الوثائق الوطنية . و كان الاستعمار الفرنسي قد سارع إلى نقل الكثير من
الوثائق الخاصة بالجزائر إلى فرنسا .
و صدر
الأمر المرقم 17 – 36 في جوان 1971 الذي تم بموجبه تأسيس مؤسسة الوثائق الوطنية و
هو يشكل أول تدبير مخصص لصيانة التراث الإداري التاريخي و الثقافي المتمثل في
الوثائق الواردة من مجموع مؤسسات البلاد.
و بموجب هذا الأمر ألحقت هذه المؤسسة برئاسة الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية .
بقلم : د/ حسام ضرار
المصادر :
سالم عبود الألوسي ، محمد محجوب كامل،الأرشيف تاريخه أصنافه إدارته ، الطبعة الأولى، 1979:دار الحرية للطباعة - بغداد
إرسال تعليق